اخر الأخبار

الخميس، يونيو 11، 2009

خواطر حول سورة الفرقان


تمثل سورة الفرقان حلقة مهمة ومرحلة أساسية من مراحل الصراع بين الحق والباطل ،وهى أيضا تمثل معلم اساسى من معالم الطريق ، وهذه المرحلة هي مرحلة حرب الشبهات ، فبعد أن عانت الدعوة من الاضطهاد والتضييق ، وبالرغم من ذلك وبمكر من الله تنتشر الدعوة ويعرفها القاص والداني فلا يجد أصحاب الباطل إلا أن يحيطوا الدعوة بهالة كبيرة من الشبهات ، وحرب الشبهات لها هدفين أساسيين تسعى دائما اليهما وهما :-
1- التشويش على حقيقة الدعوة لدى من يجهلها .
2- تعطيل الدعاة عن مهمتهم الأساسية ، وإلهائهم بالشبهات تفنيدا وردا ونقاشا .
ولنقف هنا لنرى كيف عالج الله عز وجل هذه القضية في كتابه العزيز وتحديدا من خلال سورة الفرقان بوضع أبجديات أساسية للتعامل مع هذه المرحلة .
تبدأ السورة بوضع حقائق هي من الثوابت حتى لدى أصحاب الباطل فمن يختلف على أن الله هو خالق ومالك السماوات والأرض ومقدر كل شيء تقديرا .
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) ) .
ثم لننظر إلى هذه الآلهة المختلفة والمتنوعة وهذه الطواغيت هل خلقت شيئا أم هي مخلوقة ؟ وهل تملك لأنفسها ضرا أو نفعا ؟ وهل يملكون موتا أو حياة أو نشورا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)
بهذه الحقائق الأساسية يبدأ الله عز وجل هذه المعركة ، فلا بد للدعاة من اليقين في ربانية هذه الدعوة وانتسابها لله عز جل خالق كل شيء ومالك كل شيء .
وبهذه الحقائق ، وبهذا اليقين يتم القضاء على الهدف الأول للشبهات وهو التشويش على الدعوة .
فالشبهات لا تتعلق إلا بقلب به مرض .
ثم تأخذ السورة في سرد الشبهات وهنا صنفين من الشبهات : -
1- شبهات حول المنهج :-
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)
ولننظر كيف رد الله عز وجل على هذه الشبهات .
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)
وهنا قد يتساءل البعض أين الرد ؟وأين حيثياته ؟ وأين تفاصيله ؟ وأين تفنيد الشبهة وتوضيح ملابساتها ؟؟؟؟
هنا نرى الهدى القرانى البديع يقطع الطريق على قطاع الطرق من ملقى الشبهات فهو يوجه الداعية :-
لا تقف ، ولا تلتفت إلى هذه الشبهات ، ولا تعطل نفسك ودعوتك ، ولا تبدد جهدك ووقتك وطاقتك في الرد على شبهات ما ألقيت إلا لتوقفك .
وبهذا الهدى القرانى نحطم الهدف الثاني من أهداف الشبهات وهو تعطيل الدعاة .
ثم يأتي الصنف الثاني من الشبهات . 2- شبهات حول الدعاة أنفسهم وحول شخصياتهم وكان المثال الأوضح هو إثارة الشبهات حول الرسول صلى الله عليه وسلم
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا(8)
وهنا ترى سفاهة الشبهات ، فهم لم يجدوا نقصا واحدا في شخص رسول الله فهو عندهم الصادق الأمين ولكن بعد أن جاء بالدعوة والرسالة فهو مسحور وكاهن ومجنون وشاعر .
ويا له من عجب عجاب فهو يأكل ويشرب ويمشى في الأسواق .وسبحان الله فهل سمعوا قط عن رسول لا يأكل ولا يشرب
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
وبنفس الهدى وبنفس المنهج يكون التعامل مع الشبهات فلا توقف للدعوة ولا استدراج لمعارك جانبية ولا تبديد للجهد والوقت .
ولكن قافلة تسير ، وكلاب تعوي .
وهى كلاب أحقر واقل من أن تلقمها حجرا .
ولو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا
لكان مثقال الصخر بدينار
وتسير السورة في سياقها ترتفع بالداعية عن الدنايا وسفاسف الأمور وتركز على القضايا الكبرى ومعالي الأمور فهناك موت ، وقبر ، وبعث ، وحساب ، وصراط ، وجنة ، ونار
وتمر الآيات بأمر شديد الخطورة وهو مرافقة أهل السوء والشبهات ويعطى الله عز وجل مثال صارخ وقوى لهذه المسالة
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)
(وقوله: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا } : يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به من عند الله من الحق المبين، الذي لا مرْية فيه، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة نَدمَ حيثُ لا ينفعه النَدَمُ، وعضّ على يديه حسرةً وأسفا.
وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي مُعَيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } [ الأحزاب :66 -68] فكل (2) ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويَعَض على يديه قائلا { يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا } يعني: مَن (3) صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلالة [من دعاة الضلالة] (4) ، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما.
{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ } [وهو القرآن] (5) { بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي } أي: بعد بلوغه إلي، قال الله تعالى: { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا } أي: يخذله عن الحق، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه.) تفسير ابن كثير
فلا بد أن ننتبه للرفاق فمع من أقضى وقتي مع رجل مليء بالشبهات والمثبطات والمحبطات والتشريحات لمن يعمل للإسلام ، أم مع أهل العمل والجد .
ثم تأتى الشكوى من رسول الله إلى الله عز وجل وهى شكوى مليئة بالمرارة
{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) }
(لقد هجروا القرآن الذي نزله الله على عبده لينذرهم . ويبصرهم . هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه رداً . وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله ، ويجدوا الهدي على نوره . وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم ، وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق :
{ وقال الرسول : يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } . .
وإن ربه ليعلم؛ ولكنه دعاء البث والإنابة ، يشهد به ربه على أنه لم يأل جهداً ، ولكن قومه لم يستمعوا لهذا القرآن ولم يتدبروه .
فيسليه ربه ويعزيه . فتلك هي السنة الجارية قبله في جميع الرسالات . فلكل نبي أعداء يهجرون الهدى الذي يجيئهم به ، ويصدون عن سبيل الله . ولكن الله يهدي رسله إلى طريق النصر على أعدائهم المجرمين :
{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين . وكفى بربك هادياً ونصيراً }
( في ظلال القران سيد قطب )
وتختم السورة بصفات عباد الرحمن أصحاب الحق السائرون على طريق الله بهدى القران
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
فماذا عندما يخاطبهم الجاهلون ويثيرون في وجوههم الشكوك والشبهات ، لا شيء سوى (سلاما ).
سلاما منا لكم لا نريد بكم شرا .
سلاما لنا منكم لا تملكون لنا نفعا ولا ضرا .
سلاما لقلوبنا من شبهاتكم فهي ارسخ من الجبال الرواسي بما فيها من الحق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق